في الرابع عشر من أكتوبر سنة 1938م نشرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً أوضحت فيه موقف حكومة الولايات المتحدة من الأحداث الجارية في فلسطين حينذاك. وقد عبّرت في بيانها عن تأييد أمريكا لتقدم الوطن القومي اليهودي في فلسطين؛ مشيرة إلى الدور القيادي الذي لعبه الأمريكيون تفكيراً وتمويلاً من أجل إنشاء ذلك الوطن وتقدّمه.

وحين علِمَ الملك عبد العزيز بذلك البيان بعث رسالة إلى الرئيس روزفلت عن طريق القائم بأعمال المفوضية الأمريكية في القاهرة هذا نصها:

“فخامة الرئيس. لقد اطّلعنا على ما نُشِر عن موقف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الخاص بمناصرة اليهود في فلسطين ونظراً لثقتنا في محبّتكم للحقّ والعدل، وفي تمسُّك الشعب الأمريكي بالتقاليد الديموقراطية الأساسية المبنية على تأييد الحق والعدل ونصرة الشعوب المغلوبة، ونظراً للصِّلات الودّية القائمة بين مملكتنا وحكومة الولايات المتحدة نودّ أن نلفت نظركم، يا فخامة الرئيس، إلى قضية العرب في فلسطين وحقوقهم المشروعة فيها. ولدينا ثقة تامة في أن بياننا سيوضح لكم وللشعب الأمريكي قضية العرب العادلة في تلك البلاد المقدسة.

لقد ظهر لنا من البيان الذي نُشِر عن الموقف الأمريكي أن قضية فلسطين قد نُظِر إليها من وجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر اليهود الصهاينة، وأُهمِلَت وجهات نظر العرب. وقد لاحظنا من آثار الدعايات اليهودية الواسعة الانتشار أن الشعب الأمريكي الديموقراطي قد ضلّل تضليلاً كبيراً أدّى إلى اعتبار تأييد اليهود في سحق العرب في فلسطين عملاً إنسانياً. ومع أنّ هذا ظلم موجّه ضد شعب مسالم يعيش في بلاده فإن الفلسطينيين لم يفقدوا الثقة في عدالة الرأي العام الديموقراطي في العالم كافّة وفي أمريكا خاصة. وإنّي لواثق من أن حقوق العرب في فلسطين إذا اتّضحت لفخامتكم وللشعب الأمريكي فإنّكم ستؤيدونها حق التأييد.

إن الحُجّة التي اعتمد عليها اليهود في ادِّعاءاتِهم بشأن فلسطين هي أنهم استوطنوها فترة من الزمن القديم وأنهم تشتتوا في بلاد العالم المختلفة، وأنهم يودّون أن يوجِدُوا لهم مكان تجمّع في فلسطين يمكنهم أن يعيشوا فيه بحريّة. ويستندون في عملهم على وعد تلقّوه من الحكومة البريطانية يسمّى وعد بلفور.

أما دعوى اليهود التاريخية فإنه لا يوجد ما يبرّرها لأن فلسطين كانت وما زالت مسكونة بالعرب خلال الفترات التاريخية المتعاقبة، وكان الحكم فيها لهم. وإذا استثنينا الفترة التي أقامها اليهود فيها، والمدّة التي سيطرت فيها الإمبراطورية الرومانية عليها، فإن سلطان العرب على فلسطين كان منذ أقدم العصور حتى الوقت الحاضر. وكان العرب في كل فترات وجودهم محافظين على الأماكن المقدّسة، معظّمين لوضعها، محترمين لقُدسيّتها، قائمين بشؤونها بكل أمانة وإخلاص. ولمّا امتدّ الحكم العثماني على فلسطين كان النفوذ العربي مسيطراً، ولم يشعر العرب أبداً ان الأتراك كانوا قوة مستعمرة في بلادهم، وذلك لما يلي:

  • وجود الرابطة الدينية.
  • شعور العرب بأنهم شركاء للأتراك في الحكم.
  • كون الإدارة المحلية للحكم في أيدي أبناء البلاد أنفسهم.

فيما ذُكِر يتبين أن دعوى اليهود بحقهم في فلسطين، استناداً إلى التاريخ، لا حقيقة لها لأن اليهود إذا كانوا قد استوطنوا فلسطين مدّة معينة بصفتهم مُستولين عليها فإن العرب قد استوطنوها مدّة أطول بكثير من تلك، ولا يمكن أن يعتبر استيلاء شعب على بلد من البلدان حقاً طبيعياً يبرّر مطالبته به. ولو أُخِذَ بهذا المبدأ في الوقت الحاضر لحقّ لكل شعب أن يطالب بالبلدان التي سبق له أن استولى عليها بالقوة في فترة معينة. وذلك سيؤدي إلى تغييرات مذهلة في خريطة العالم مما لا يتلاءم مع الحق ولا مع العدل أو الإنصاف.

أمّا بالنّسبة لدعوى اليهود الأخرى التي يستدرّون بها عطف العالم فهي أنّهم مشتّتون ومضطهَدون في بلدان مختلفة، وأنهم يودّون أن يجدوا مكاناً يأوون إليه ليأمنوا من الظلم الذي يواجهونه في كثير من البلدان. والمهمّ في هذا الأمر أن يفرّق بين قضية اليهود أو اللاساميّة في العالم وبين مسألة الصهيونية السياسية. وإذا كان المقصود العطف على اليهود المشتّتين فإن فلسطين بلاد صغيرة، وقد استوعبت عدداً كبيراً منهم يفوق ما استوعبه أي بلد من بلدان العالم إذا قورنت مساحتها بمساحات الدول الأخرى التي يقيم اليهود فيها. وليس من الممكن أن تتّسع مساحة ضئيلة كفلسطين لجميع يهود العالم حتى لو فُرِض أنها خالية من سُكّانها العرب (كما قال السيد مالكولم ماكدونالد في الخطاب الذي ألقاه مؤخراً في مجلس العموم البريطاني). فإذا قُبِلَ مبدأ بقاء اليهود الموجودين الآن في فلسطين فإن هذه البلاد قد قامت بعمل إنساني لم يقم بمثله غيرها. وترون، يا فخامة الرئيس، أنّه ليس من العدل أن تسدّ حكومات العالم – ومن بينها الولايات المتحدة – أبوابها أمام هجرة اليهود وتفرض على فلسطين، البلد العربي الصغير، مَهمّة استيعابهم.

وأمّا إذا نظرنا إلى القضيّة من وجهة النظر الصهيونية السياسية فإن وجهة النظر هذه تمثل ناحية ظالمة غاشمة هدفها القضاء على شعب آمن مطمئن وطرده من بلاده بشتّى الوسائل، وإشباع النّهَم السياسي والطمع الشخصي لقليل من الصهاينة. وأمّا استناد اليهود إلى وعد بلفور فإنّ ذلك الوعد كان جوراً وظلماً لبلاد مسالمة مطمئنة. وقد أُعطِيَ من قِبَل حكومة لم تكن تملك حين إعطائه حق فرضه على فلسطين، كما أن عرب فلسطين لم يُؤخَذ رأيهم فيه ولا في إجراءات الانتداب الذي فُرِضَ عليهم، كما وضّحه مالكولم ماكدونالد وزير المستعمرات البريطانية. وكان ذلك برغم الوعود التي بذلها الحلفاء، وبينهم أمريكا، لهم بحقّ تقرير المصير. ومن المهمّ أن نذكر بأن وعد بلفور كان مسبوقاً بوعد آخر من الحكومة البريطانية، بمعرفة الحلفاء، بحق العرب في فلسطين وفي غيرها من البلدان العربية الأخرى.

ومن هذا يتبيّن لكم، يا فخامة الرئيس، أن حُجّة اليهود التاريخية باطلة، ولا يُمكِن اعتبارها. أما دعواهم من الوجهة الإنسانية فقد قامت بها فلسطين أكثر من أي بلد آخر. ووعد بلفور الذي يستندون إليه مخالف للحق والعدل ومناقض لمبدأ تقرير المصير. وإن أطماع الصهاينة تجعل العرب في جميع الأقطار يخشون منها وتدعوهم إلى مقاومتها.

أما حقوق العرب في فلسطين فلا تقبَل المجادلة؛ لأن فلسطين بلادهم منذ أقدم العصور، ولم يغادروها أو يُطرَدُوا منها. وكانت من الأماكن التي ازدهرت فيها الحضارة العربية ازدهاراً يدعو على الإعجاب. ولذلك فهي عربية أصلاً ولغة وموقعاً وحضارة، وليس في ذلك أية شبهة أو غموض. وتاريخ العرب مليء بالأحكام العادلة والأعمال النافعة.

وحينما قامت الحرب العالمية الكبرى انضمّ العرَب إلى الحُلفاء أملاً في الحصول على استقلالهم، وكانوا على ثقة تامّة من أنهم سينالونه بعد الحرب للأسباب الآتية:

  • لأنهم اشتركوا بالحرب فعلاً، وضحّوا بأنفسهم وأموالهم.
  • لأنهم وُعِدُوا بذلك من قِبَل الحكومة البريطانية في المراسلات التي دارت بين ممثلها حينذاك ألسير هنري مكماهون، والشريف حسين.
  • لأن سلفَكم العظيم، الرئيس ولسون، قرّر دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء نصرة للمبادئ الإنسانية الرفيعة التي كان من أهمّها حق تقرير المصير.
  • لأن الحلفاء صرّحوا في نوفمبر سنة 1918م، عقب احتلالهم البلدان، أنهم دخلوها لتحريرها وإعطاء شعوبها حريتهم واستقلالهم.

وإذا رجعتم، يا فخامة الرئيس، إلى التقرير الذي قدّمته لجنة التحقيق التي أرسلها سلفكم الرئيس ولسون إلى الشرق لأدنى عام 1919م ستجدون المطالب التي طلبها العرب في فلسطين وسوريا حينما سُئِلُوا عن المصير الذي يطلبونه لأنفسهم.

لكن العرب، لسوء الحظ، وجدوا بعد الحرب أنهم قد خُدِعُوا، وأن الأماني التي وُعِدُوا بها لم تتحقّق. فقد قُسِّمَت بلادهم تقسيماً جائراً، ووُضِعَت لهذه الأقسام حدود مُصطَنَعة لا تبرّرها الحقائق الجغرافية أو القومية أو الدينية. وبالإضافة إلى ذلك وجدوا أنفسهم أمام خطر عظيم جداً، وهو خطر غزو الصهاينة لهم واستملاكهم لأغلى أراضيهم.

ولقد احتجّ العرب بشدة حينما عَلِمُوا بوعد بلفور، كما احتجّوا بشدّة على نظام الانتداب، وأعلنوا رفضهم له وعدم قبولهم به منذ اليوم الأول. وكان تدفّق الهجرة اليهودية من أقطار مختلفة إلى فلسطين مدعاة لتخوّف العرب على حياتهم ومصيرهم فقامت ثورات واضطرابات عديدة في فلسطين سنة 1920 و1921 و1929م. وكان أهم تلك الثورات ثورة عام 1936م التي لا تزال نارها مستمرة حتى هذه الساعة.

يا فخامة الرئيس، إن عرب فلسطين ومن ورائهم سائر العرب، بل وسائر العالم الإسلامي يطالبون بحقوقهم ويدافعون عن بلادهم من الدُّخلاء عليها وعليهم. ومن المستحيل إقرار السلام في فلسطين ما لم ينَل العرب حقوقهم ويتأكدوا من أن بلادهم لن تُعطَى إلى شعب غريب تختلف مبادئه وأهدافه وعاداته عن مبادئهم وأهدافهم وعاداتهم في كل شيء. ولذا فإنّنا نهيب بكم ونناشدكم، يا فخامة الرئيس، باسم العدل والحرية ونُصرة الشعوب الضعيفة التي اشتهر بها الشعب الأمريكي النبيل أن تتكرموا بالنظر في قضية عرب فلسطين، وأن تساعدوا أولئك الذين يعيشون في سلام وهدوء رغم الهجمات الواقعة عليهم من قِبَل تلك الجماعات المتشرّدة من كل أجزاء العالم. إذ ليس من العدل أن يُطرَد اليهود من جميع أقطار العالم المختلفة وأن تتحمل فلسطين الضعيفة المغلوبة على أمرها هذا الشعب برمّته. ولا نشُكّ في أن المبادئ السامية التي يعتنقها الشعب الأمريكي ستجعله يذعن للحق ويناصر العدل والإنصاف.

حُرِّر في قصرنا بالرياض في اليوم السابع من شهر شوال سنة سبع وخمسين بعد الثلاثمائة والألف الهجرية، الموافق تسعاً وعشرين نوفمبر سنة ثمان وثلاثين بعد التسعمائة والألف ميلادية.

عبد العزيز السعود

 


وقد ردّ الرئيس الأمريكي روزفلت على هذه الرسالة برسالة هذا نصّها:

“البيت الأبيض. واشنجتون 9 يناير 1939م الموافق 16 ذو القعدة 1357هـ.

حضرة صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن سعود ملك المملكة العربية السعودية.

صاحب الجلالة:

لقد سرّني كثيراً أن استلمت رسالة جلالتكم المؤرخة في 29 نوفمبر (1938) التي سلّمها القائم بأعمال المفوضية العربية السعودية بالقاهرة في 6 ديسمبر إلى القائم بأعمال المفوضية الأمريكية هناك بشأن قضية العرب في فلسطين.

ولا يخفى على جلالتكم أن الحالة الفلسطينية قد استرعت اهتمام الشعب الأمريكي طويلاً. ولذلك فإني قد قرأت رسالة جلالتكم التي كرّستُمُوها لهذا الموضوع باهتمام خاص.

إن اهتمام الشعب الأمريكي بفلسطين يرتكز على عدة اعتبارات؛ منها ما هو ذو صبغة روحية، ومنها ما هو ناشئ عن الحقوق التي نالتها الولايات المتحدة في فلسطين من الاتفاقية الأمريكية البريطانية الخاصة بالانتداب في فلسطين المؤرخة في 3 ديسمبر سنة 1924م.

وقد تبيّن موقف الولايات المتحدة بشأن فلسطين في بيان عام أصدرته وزارة الخارجية في 14 أكتوبر سنة 1938م والذي يسرّني أن أبعث لجلالتكم بصورة منه.

ويمكنني أن أضيف إلى ذلك أن هذه الحكومة لم تتخذ أبداً أي موقف مخالف لما تمسكت به منذ البداية تجاه هذا الموضوع.

صديقكم الحميم

فرانكلين روزفلت

 


 

وبعد ذلك بسنوات بعث الملك عبد العزيز إلى الرئيس روزفلت الرسالة التالية:

“من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل، ملك المملكة العربية السعودية، إلى فخامة الرئيس فرانكلين روزفلت رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية.

صاحب الفخامة.

في هذه الحرب العالمية العظيمة التي تبذل فيها الأمم دماءها وتنفِق ثرواتها دفاعاً عن الحرية والاستقلال، وفي هذه الحرب التي أعلنت فيها المبادئ السامية، التي يحارب من أجلها الحلفاء في ميثاق الأطلنطي، وفي هذا الصراع الذي أهاب فيه زعماء كل بلد بشعوبهم وأصدقائهم أن يقفوا معهم في صراعهم من أجل الحياة، راعني، كما راع المسلمين والعرب، ان تنتهز مجموعة من الصهاينة فرصة هذه الأزمة الصعبة فتقوم بدعاية واسعة النطاق تهدف بها إلى تضليل الرأي العام الأمريكي من جهة والضغط على دول الحلفاء في هذا الوقت الحرِج من جهة ثانية لحملها على الخروج على مبادئ الحق والعدل والمساواة التي أعلنتها والتي تقاتل من أجلها، وهي حرية الشعوب واستقلالها. وقد أراد اليهود بعملهم هذا أن يحملوا الحلفاء على مساعدتهم في القضاء على العرب المسالمين الذين يعيشون في فلسطين منذ آلاف السنين. إنهم يريدون أن يخرجوا هذا الشعب النبيل من موطنه وأن يحلّوا اليهود من جميع الآفاق في هذا الوطن العربي الإسلامي المقدس. وأي ظلم فادح فاضح سوف ينتج – لا قدّر الله – عن هذا الصراع العالمي إذا أتى الحلفاء في آخره ليكلّلوا ظفرهم المقبل بإخراج العرب من ديارهم في فلسطين ويحلّوا محلّهم شذّاء اليهود الذين لا تربطهم بهذا الوطن أية رابطة غير دعوى خيالية لا أصل لها في نظر الحق والعدل إلا ما يحيكونه بالخداع والغشّ؛ منتهزين بذلك فرصة وضع الحلفاء الحَرِج ومنتهزين فرصة جهل الشعب الأمريكي بحقيقة قضية العرب عامة وقضية فلسطين خاصة.

لقد كتبت لفخامتكم بتاريخ 7 شوال، 1357هـ (19 نوفمبر، 1938م) رسالة أوضحت فيها حقيقة الأمر بين العرب واليهود في فلسطين. وإذا رجع فخامتكم إلى تلك الرسالة ستجدون فيها أنه لا يوجد أي حق لليهود في فلسطين وأن دعواهم أمر باطل لم يسجل تاريخ البشرية له مثيلاً. ففلسطين تخص العرب منذ فجر التاريخ، وهي في وسط الأقطار العربية. ولم يسكنها اليهود إلى فترة من الزمن كان أكثرها مليئاً بالمجازر والمآسي. ثم أُجلُوا عنها. والآن يُرَاد أن يُعَادوا إليها. وبهذا سيظلم اليهود العرب المسالمين الآمنين. تكاد السماوات يتفطّرن وتنشقّ الأرض وتخِرّ الجبال هدّاً من كل ما يدّعيه اليهود في فلسطين دنياً ودينا.

وبعد أن أرسلت إلى فخامتكم رسالتي المشار إليها كنت أعتقد، ولا أزال أعتقد، أن حق العرب في فلسطين قد اتضح لكم؛ لأني لم أرَ في جوابكم لي بتاريخ 9 يناير سنة 1939م أنكم لاحظتم أية ملاحظة على الحقائق التي ذكرتها في رسالتي السابقة. وكنت أودّ ألا أضيّع وقت فخامتكم وأوقات رجال حكومتكم بهذه القضية في هذا الوقت الحرِج، لكن الأنباء المتواترة عن عدم تورّع هؤلاء الصهاينة في إثارة دعواهم الظالمة الخاطئة هي التي جعلتني أذكّر فخامتكم بحقوق المسلمين والعرب في البلاد المقدسة لتمنعوا هذا الظلم، وليكون بياني لفخامتكم عوناً على إقناع الأمريكيين بحقوق العرب في فلسطين، ويدرك الأمريكيون، الذين يريد اليهود الصهاينة بالدعاية أن يضلّلوهم، الحقائق الواقعة فيساعدوا العرب المظلومين، ويكلّلوا جهودهم الحاضرة بإقامة الحق، والعدل في كل أنحاء العالم.

وإذا تركنا جانباً العداوة الدينية بين المسلمين واليهود منذ ظهور الإسلام، والتي كان سببها تصرّف اليهود الغادر تجاه المسلمين ونبيّهم، وإذا تركنا كل ذلك جانباً ونظرنا إلى قضية اليهود من الناحية الإنسانية البحتة وجدنا الأمر كما ذكرته في رسالتي السابقة من أن فلسطين، باعتراف كل من عرفها من سائر أبناء البشر، لا تستطيع أن تحلّ المشكلة اليهودية. ولو فرضنا أن هذه البلاد تعرضت للظلم بكل صوره، وأن كل عرب فلسطين، رجالاً ونساء وأطفالاً قُتِلُوا وأُخِذَت أراضيهم وسُلِّمت كلها لليهود فإن ذلك لن يحلّ المشكلة اليهودية ولن تكون هناك أرض كافية لليهود. فلماذا إذن يراد القيام بهذا الظلم الفريد في تاريخ البشرية إذا عُلِمَ بأنه لن يؤدي إلى نتيجة مرضيّة لقتلة المستقبل، ونعني بهم اليهود؟

لقد ذكرت لفخامتكم في رسالتي السابقة أننا إذا نظرنا إلى الموضوع من وجهة نظر إنسانية فسنجد أن البلاد الصغيرة المسمّاة فلسطين قد جُلِبَ إليها عند بداية الحرب الحالية حوالي أربعمائة ألف يهودي. وكانت نسبة اليهود إلى السكان عند نهاية الحرب العالمية الأولى 7% فقط. لكن هذه النسبة زادت حتى وصلَت قُبَيل بدء الحرب الحالية إلى 29%، وما زالت هذه الزيادة مستمرّة، ولا ندري أين ستتوقف، لكننا نعلم أن اليهود قبل الحرب الحالية بقليل يمتلكون 1،000،332 دونم من أصل 7،000.000 دونم من الأراضي الصالحة للزراعة في فلسطين جميعها.

إننا لا ننوي القضاء على اليهود ولا نطالب بذلك، ولكننا نطالب بألا يُقضَى على العرب من أجل اليهود. إن العالم يجب أن لا يضيق عن استيعاب اليهود، الحقّ لو أن كل بلد من بلدان الحلفاء تحمّل عُشر ما تحمّلته فلسطين لأمكن حلّ المشكلة اليهودية وإسكانهم. وكل ما نرجوه الآن مساعدتكم في إيقاف سيل الهجرة بإيجاد مكان يعيش فيه اليهود غير فلسطين، ومنع بيع أراضيها عليهم منعاً باتاً. وبعد ذلك ينظر الحلفاء والعرب في موضوع تأمين إسكان أولئك اليهود الذين يمكن أن تتحمّلهم فلسطين من اليهود المقيمين فيها الآن.

وإني إذ أكتب إلى فخامتكم هذه الرسالة لواثق بأنّكم ستقبلون رجاء صديق يشعر بأنّكم تقدّرون الصداقة كما تقدّرون الحق والعدل والمساواة، ويُعلَم بأن أعظم أمل للشعب الأمريكي أن يخرج من هذا الصراع العالمي فرِحاً بانتصار المبادئ التي يقاتل من أجلها، وهي تأكيد حرّية كل شعب وإعطاؤه حقوقه. لأنه – لا سمح الله – لو أُعطِيَ اليهود بُغيَتَهُم فإن فلسطين ستبقى إلى الأبد مقرّاً لفتن واضطرابات كما حدث في الماضي. وسوف يسبّب هذا مشاكل للحلفاء عامة وصديقتنا بريطانيا العظمى خاصة. وأن اليهود، بما أُوتُوا من قوّة في المال والعلم، قادرون على إثارة العداوة بين العرب والحلفاء في أيّة لحظة. وقد كانوا سبب كثير من المشاكل في الماضي.

وكل ما نحرص عليه الآن أن يسود الحق والعدل في حلّ المشاكل المختلفة التي ستظهر بعد الحرب وأن تكون العلاقات بين العرب والحلفاء دائماً أقوى وأحسن ما يكون.

وفي الختام أرجو أن تتقبّلوا فائق تحياتي.

كُتِب في مخيمنا في روضة خريم في اليوم الخامس والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة اثنتين وستين بعد الثلاثمائة والألف هجرية الموافق ليوم الثلاثين من شهر أبريل سنة ثلاث وأربعين بعد التسعمائة والألف ميلادية

عبد العزيز

 


 

وقد أجاب الرئيس روزفلت الملك عبد العزيز بالرسالة التالية:

“في 15 يوليو 1943م (19 رجب 1362هـ).

حضرة صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك المملكة العربية السعودية – الرياض.

أيها الصديق العظيم:

لقد تلقّيت رسالة جلالتكم المؤرخة في 30 أبريل 1943م المتعلّقة بالشؤون التي تمسّ فلسطين، وإني أُقدِّر روح الصداقة التي أبديتموها في إعرابكم لي عن هذه الآراء. ولقد لاحظت بعناية الآراء الواردة في هذه الرسالة، وكذلك تلك التي اشتَمَلَت عليها رسالة جلالتكم المؤرخة في 29 نوفمبر، 1938، والرسالة الشفوية التي حمَلَها السيد كيرك، الوزير الأمريكي في نهاية زيارته الأخيرة إلى الرياض. ولا شكّ أن جلالتكم قد تلقّيتُم رسالتي التي بلّغها السيد موس إلى سموّ الأمير فيصل. وكما ذكرت في تلك الرسالة يبدو لي أن من المرغوب فيه للغاية أن العرب واليهود ممّن تهمّهم المسألة يتفاهمون تفاهماً وديّاً فيما يتعلّق بفلسطين وذلك بمساعيهم الخاصة قبل نهاية الحرب، وإني لسعيد بهذه الفرصة، على أية حال، لأُعيد تأكيدي بأن وجهة نظر حكومة الولايات المتحدة أن لا يُتّخَذ أي قرار يغيّر الوضع الأساسي لفلسطين دون التشاور الكامل مع كل من العرب واليهود.

وفي الختام أكرّر التعبير عن أطيب التمنيات لدوام صحة جلالتكم والرفاه لشعبكم.

صديقكم المخلص

فرانكلين. دي. روزفلت

قائمة المحتويات