ولد المانع في عام 1903 ميلادية في مدينة الزبير الواقعة في جنوب البصرة بين العراق ونجد. تنتمي أسرته إلى مدينة جلاجل الواقعة في منطقة نجد، ولأنها منطقة يسودها المناخ الصحراوي الجاف ويندر بها الغطاء النباتي الطبيعي وشهرتها بقلة الأمطار فقد انتقلت الأسرة مع كثير من النجديين إلى البصرة من أجل العمل الاقتصادي، وتذكر الروايات أن المهاجرون النجديون أقاموا مدينة الزبير وعاشوا فيها بدلا من العودة إلى بلدتهم. ولد في أسرة تجارية، كان والده يعمل في مجال تجارة الخيول العربية التي كانت رائجة حينذاك إذا كان التجّار يقومون بحمل خيولهم في السفن الشراعية إلى بومبي ومنها يتم ارسالها إلى بلدان العالم. ولقد كان والد المانع يقوم بذات العمل إذ يشتري الخيول من العراق وسوريا ولبنان ويبيعها، لكنه قرر أخيرًا أن يعش في مومبي ويبيع الخيول لزبائنه الذين كان معظمهم من "رجال سلاح الفرسان" البريطانيين إضافة إلى طبقات رفيعة من سكان الهند ما يُطلق عليهم ب: "مهراجات". كانت الزبير مسقط رأس المانع مدينة ذات تأثير كبير له، فموقعها الجغرافي أثرت من قبل على والده للانتقال والعيش فيها، فموقعها الفاصل بين العراق ونجد جعل منها مدينة تعج بالحركة وتنعم بالرخاء الاقتصادي، استوعبت الكثير التجار النجديين حتى أصبحوا ذو كثافة عددية يمثلون غالبية سكان الزبير. ولعل فترة الطفولة التي عاشها المانع في الزبير ظلّت باقية في عقلية الطفل وأبت أن تُغادره حتى بعد خروجه منها.
عاش المانع في الزبير حتى عُمر العاشرة حين قرّر والده الانتقال إلى الهند وتحديدًا إلى بومبي التي تُعرف حاليًا باسم مومباي، وبطبيعة الحال لم يترك طفله في الزبير، فأخذه معه في هذه الرحلة، والتي كانت من أهم المحطات التي قامت ببناء شخصية المانع وأكسبته المعرفة واللغة والاستقلال، بعيدًا عن عمل والده التجاري. عاش في مومبي اثنتي عشرة سنة، درس خلالها في إحدى المدارس الإنجليزية وتنقل من مكان إلى آخر لتدبير الأعمال التجارية لأسرته، فيما كان يقوم بنشر عدد من المواد الصحفية في صحيفة "بصرة تايمز" الناطقة باللغة الانجليزية، وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي، كان والده يُخطّط إدخاله الجامعة لدراسة الطب، لكنه كان يود العودة إلى الجزيرة العربية، فلقد شغلته الأخبار القادمة من هناك عن الانتصارات التي يقوم بتحقيقها قائد شاب ينتمي إلى أسرة آل سعود واسمه عبدالعزيز بن سعود، ويذكّر المانع في كتابه أنه كان مسحورًا بهذه البطولات والانتصارات التي يتم تحقيقها في الميدان، حتى صمّم أن يقوم بخدمة هذا القائد الفذ وخدمة وطنه الأصل.
كانت الأخبار القادمة من الجزيرة العربية وانتصارات ابن سعود هي السبب الرئيس التي دعت المانع إلى مغادرة مومبي والعودة إلى مسقط رأسه. عاد إلى الزبير مجدّدا تاركًا خلفه مومبي وتطورها وتقدّمها وأعمالها، عاد ليبدأ من جديد، بداية بالبحث عن عمل لدى تجار مدينة البصرة، وانتهاء بتحقيق حلمه في الخدمة لدى ابن سعود، غير أن المؤهلات التي كان يمتلكها لم تُساعده في العثور على فرصة العمل، ليس بسبب تدنّي مستواه ولكن بسبب أن مؤهلاته أعلى مما هو مطلوب، فيما لم تكن اجادته للغته الإنجليزية ذات جدوى لدى التجار بسبب أن من يتحدّث الإنجليزية في البصرة هم عدد ضئيل وغالبيتهم من اليهود وعدد من المسيحيين، إلّا أن اجادته للغة كانت بعد ذلك هي السبب الرئيس لقبوله في الديوان الملكي، كما أنها كانت من تساعده في العمل من خلال كتابته في صحيفة "بصرة تايمز". كانت "بصرة تايمز" بمثابة الدافع الذي يساعده في العيش واعالة نفسه، ولقد كتب عدداً من المواد التي تم نشرها في الصحيفة، والتي أيضًا ربطته بعلاقة مباشرة مع رئيس تحريرها الذي عرض عليه أن يعمل لديه ويُصبح أحد كُتّاب مقالاتها فيما بعد، لكنه فقد العمل فيما بعد وتدهورت حالته المادية بشكل كبير، ولم يشأ والده أن يقوم بمساعدته لكونه لم يقم بتنفيذ رغبته.
في إحدى الليالي المؤثرة في حياة المانع، يذكر أنه كان يُصلّي بتضرّع وخشوّع في بيته الذي كان يقيم فيه بمنطقة الزبير، وأثناء ذلك زاره أحد أقربائه القادمين من البصرة، تبادلا الحديث عن أخبار المدينة وعرف منه أن رجلين من ديوان ابن سعود كانا في البصرة حينذاك، وبعقلية الشاب الذي يُجيد اقتناص الفُرص المُناسبة لتحقيق حلمه، ذهب إلى صديقه رئيس تحرير صحيفة "بصرة تايمز" وسأله عما إذا كان يرغب في نشر مقابلة مع أحد وزراء ابن سعود، رحّب صديقه بالفكرة وتحمّس معها واقترح عليه عدد من الأسئلة التي يمكن توجيهها إلى الضيف. في صباح اليوم التالي توجّه المانع مباشرة إلى البصرة وقام بإجراء المقابلة الصحفية مع الوزيرين عبدالله الدملوجي وحافظ وهبه، وبعد الانتهاء منها أخبرهما عن نفسه وتعليمه الجيد واجادته للغة الإنجليزية إضافة إلى اللغة الاردية، كما أخبرهما عن رغبته بأنه يود العمل كمترجم مع ابن سعود. كان ذلك اليوم بمثابة نقطة تحوّل مهمة في حياة المانع إذ حصل على وعد بأنهما سينظران في موضوعه، وبعد أسبوعين فقط حصل على برقية تُفيد بتعيينه مترجمًا في ديوان الملك، كان ذلك الخبر بمثابة انتصار لذاته وتحقيق حلمه بخدمة القائد ابن سعود وخدمة وطنه.
استعد الرجل لتحقيق حلمه، لم يعد بينه وبين ذلك سوى مسافة الطريق من الزبير إلى مقر تواجد القائد ابن يعود، كانت المسافة طويلة للغاية، لتبدو أكثر من مجرد أميال على الطريق الصحراوي، ذلك الشعور الذي كان يخالجه يمتزج بالفرح والرهبة، فرح تحقيق هدفه والعمل مع من ذاع صيته حتى وصل إلى أنحاء المعمورة، ورهبة من مقابلة هذا القائد العملاق الذي أرهب الكثير من أعداءه وانتصر عليهم بجدارة. في 26 مايو 1926 وصل المانع إلى مكة المكرمة، وصل وهو يشعر بأنه نال من الحظ مالم يحظى به غيره، وهكذا بدأت حياته كأول موظف مترجم في الديوان الملكي الخاص حتى أصبح رئيس المترجمين ومسؤولا عن ترجمة الرسائل والوثائق من الإنجليزية والأوردية إلى العربية، بقي هُناك تسع سنوات كاملة، بحلوها ومرها، مرافقا لجلالة الملك عبدالعزيز بن سعود في كل أسفاره وغزواته حبا في الملك وتأدية لمهمته كمترجم في حال احتياجه.
لم يكن المانع يرغب في تدوين الأحداث التي عاشها إلّا بعد أن دفعه أصدقاءه إلى ذلك، لاسيما الأصدقاء الإنجليز الذين كانوا يبحثون عن مُدوّن عاش فترة الأحداث بحذافيرها، كان النقاشات التي يخوضها معهم والحكايات التي يقصّها عليهم تدفعهم لإخباره عن ضرورة تدوين هذه المواقف للتاريخ، ولكل من يود المعرفة. تلك المقترحات مثّلت دافعًا له لتدوين كتابه "توحيد المملكة العربية السعودية" وبعد أربعين عامًا من تركه خدمة الديوان الملكي تم تدوين وتأريخ الأحداث التي عاصرها، دوّن كتابه باللغة الإنجليزية ونشره بتلك اللغة فقط، واضعًا فيه وجهة النظر العربية حول التاريخ الحديث للمملكة وجعل موضوعه الأساسي هو توحيد جزيرة العرب بحيث ملء من خلاله عدد من الفجوات التي تركها المؤرخون، وروى قصة ابن سعود منذ استيلائه على الرياض سنة 1902 حتى منتصف الثلاثينات من القرن الماضي حينما بدأت ملحمة الزيت.
هو أب لعشرة أفراد منهم خمسة ذكور وخمس إناث، كان يُحب أبناءه كثيرًا على أنه كان يُظهر تعاطفًا خاصًا لبناته ويقوم بتشجيعهن على الدوام. وعلى الرغم من أنه لم يود أن يُصبح طبيبًا إلّا أن لديه طبيبتان من أبناءه وهن "الدكتورة عائشة والدكتورة سناء" وكلتاهما تعملان في نفس المستشفيات، فيما لديه حفيدة من ابنه إبراهيم أصبحت طبيبة بعد تخرجها من جامعة الملك فيصل. وتتركز أعمال أبناءه حاليًا على القطاع الصحي سواء كان مستشفيات أو تجارة في المعدات الطبية، واضعين في اعتبارهم نصائح والدهم وتنبيهاته بأن تكون أعمالهم ذات جودة عالية والنظر إلى النتائج الإنسانية بعيدًا عن النتائج المادية، والاستفادة من التجارب والخبرات الألمانية في تقديم المستويات الصحية العالية.
توفي الشيخ محمد عبدالله المانع في عام 1987 عن عمر ناهز 86 عامًا، كانت حافلة بخدمة الملك المؤسس للملكة العربية السعودية وخدمة الوطن والمجتمع، ولقد شهد مجلس العزاء بموته اقبال عدد كبير من الناس من مختلف الشرائح المجتمعية.